تصور للسیاحة العمرانیة المستدامة فی الوجهات الثقافیة التراثیة فی ضوء النهج التصاعدی

یتطرق هذا البحث بالعرض والتحلیل لآلیات إدارة السیاحة العمرانیة فی المناطق الثقافیة والتراثیة من وجهة نظر النهج التصاعدی. فی هذا الإطار، تتمحور المشکلة البحثیة حول دراسة مدى الحاجة لإشراک السکان المحلیین فی عملیة إدارة السیاحة العمرانیة فی المناطق التراثیة، وذلک بهدف تحقیق الاستدامة بالطریقة التی تضمن تحقیق التوازن بین الاعتبارات البیئیة والإدارة الاقتصادیة المجدیة لهذه الوجهات. لتحقیق ذلک، قام الباحث بدراسة تحلیله نقدیة لفئتین من الدراسات السابقة فی هذا الخصوص: الدراسات التی تتناول العلاقة بین إدارة السیاحة العمرانیة والتأثیر الثقافی للوجهات التاریخیة من جهة، والدراسات التی ترکز على النهج التصاعدی عن طریق إشراک السکان المحلیین فی عملیة إدارة السیاحة العمرانیة ودراسة سلوکهم تجاهها من جهة أخرى. من هنا، ترسم هذه الورقة البحثیة خارطة طریق لکیفیة الحفاظ على استدامة هذا النوع من السیاحة فی المناطق التراثیة، وکذا التحدیات التی یمکن أن تواجه أصحاب المصلحة فی سعیهم لإشراک قاعدة الهرم الإداری.  
أبرزت الدراسات السابقة ومجمل المناقشات عن هذا الموضوع وجود حاجة علمیة لأخذ متغیرات إضافیة فی الحسبان مثل تفرد السوق محل الدراسة وخصائصه الممیزة، ترکیبة السکان الدیمغرافیة فی منطقة معینة، والتحدیات السیاسیة المرتبطة بالسیاحة العمرانیة طوال دورة حیاتها. وبناءً علیه، فإن تحقیق الاستدامة فی هذا النوع من السیاحة بالذات یصبح منتجاً مرکباً لتشابک مجموعة من العوامل الاجتماعیة، قبل أن یکون نتیجة طبیعیة لعوامل تجاریة أو نتاجاً لاتباع نظم الإدارة الحدیثة فی وجهة معینة. وطالما دخلت العوامل الاجتماعیة کمتغیر مستقل یؤثر على السیاحة العمرانیة، فإن توصیات هذا البحث ترکز على تبنى نهج تشارکی اجتماعی فی إدارة هذه الوجهات وذلک على ثلاثة أصعدة یکمل کل منها الآخر: قواعد استرشادیة متعلقة بعملیة الإدارة نفسها، توصیات لتحسین تنمیة المجتمع محل الدراسة، وأخیراً توصیات للحفاظ على الطابع التراثی للوجهة السیاحیة. من هنا، تبنت هذه الدراسة منهاجیة تحلیلیة مقارنة لعدد کبیر من الأبحاث النظریة والتطبیقیة للوقوف على أبرز التحدیات والحلول المقترحة فی مناطق تراثیة عدیدة، ثم تفنید المقترحات قیاساً على تفرد حالة الدول النامیة لتقدیم إسهام یخدم متطلبات التنمیة فی هذه الدول فی ظل محدودیة الموارد والتحدیات الجسیمة لهدف الاستدامة.   
من هنا، تتمثل أهم خلاصات ونتائج البحث فی ضرورة تبنى السلطات المحلیة لمقاربة تنسیقیة مع السکان المحلیین فی عملیة إدارة السیاحة العمرانیة فی المناطق التراثیة. لکن هذا الاقتراب التشارکی لا یجب أن یغفل الأدوار التقلیدیة لمتخذی القرار وعلى رأسها الرقابة والمراجعة فی محاولته لإدماج أکبر عدد ممکن من أصحاب المصلحة فی عملیة الإدارة. علاوة على ذلک، فإن السکان المحلیین لن یشعروا بالانتماء للمنظومة الإداریة للسیاحة العمرانیة إلا إذا ترتب علیها تأثیر إیجابی مباشر على نمط وأسلوب حیاتهم. وأخیراً، تحقیق الاستدامة فی الوجهات التراثیة یفترض وجود تخطیط مدنی متکامل لها ولیس تخطیطاً عمرانیاً فقط.